احجز زيارة منزلية في الرياض و جدة وكل مناطق المملكة!

طبيب عام ومتخصصممرضةعلاج طبيعيحجامةأشعةتحاليل طبيةاستشاري نفسي.

مرض CIPA: الأسباب، الأعراض، العلاج

مرض cipa
تقرأ في هذا المقال

يُعد الألم أحد أكثر الإشارات الحيوية أهمية في حياة الإنسان. فهو تنبيه طبيعي يحذر من الخطر، ويمنح الجسم فرصة للهروب أو التوقف أو البحث عن العلاج. لكن، ماذا لو وُلد إنسان غير قادر على الشعور بالألم؟ يبدو الأمر للوهلة الأولى ميزة، لكنه في الحقيقة مأساة طبية خطيرة. هذا هو حال الأشخاص المصابين بمرض نادر يُعرف باسم CIPA، أو كما يسمى علميًا: Congenital Insensitivity to Pain with Anhidrosis، أي “فقدان الإحساس الخلقي بالألم مع عدم التعرّق”.

في هذا المقال، سنغوص في تفاصيل هذا المرض النادر، نكشف أسبابه، أعراضه، طرق تشخيصه، تحديات المصابين به، ونستعرض قصصًا واقعية تعبّر عن صراع الإنسان مع مرض يسلبه القدرة على الشعور بأبسط وأخطر الإشارات الجسدية.

ما هو مرض CIPA؟

CIPA هو اضطراب وراثي نادر للغاية ينتمي إلى مجموعة من الأمراض تُعرف باسم الاعتلالات العصبية الحسية الذاتية (HSAN – Hereditary Sensory and Autonomic Neuropathies). يتميز المرض بغياب تام أو شديد للإحساس بالألم والحرارة، بالإضافة إلى عدم القدرة على التعرق (Anhidrosis)، مما يجعل من الصعب على الجسم تنظيم حرارته.

هذا المرض يصيب الجهاز العصبي الطرفي، وتحديدًا الألياف العصبية المسؤولة عن نقل إشارات الألم ودرجة الحرارة، وكذلك تلك المرتبطة بوظائف الجهاز العصبي اللاإرادي (كالتحكم بالتعرّق وضربات القلب).

الأسباب الجينية لمرض CIPA

السبب الرئيسي لمرض CIPA هو طفرة جينية في جين NTRK1 (Neurotrophic Tyrosine Receptor Kinase 1)، الموجود على الكروموسوم رقم 1. هذا الجين مسؤول عن ترميز بروتين يلعب دورًا حاسمًا في نمو وصيانة الأعصاب الحسية والأعصاب اللاإرادية.

عندما يحدث خلل في هذا الجين، فإن الجسم لا يطور الألياف العصبية الضرورية لنقل إشارات الألم والحرارة، ولا يُنتج مستقبلات النواقل العصبية بشكل طبيعي، مما يؤدي إلى الأعراض الكارثية للمرض.

المرض يُورث بطريقة وراثة جسمية متنحية، أي أن الطفل يجب أن يرث نسختين معطوبتين من الجين (واحدة من كل والد) لكي يُصاب بالمرض.

السبب الجيني الرئيسي لمرض CIPA:

الجين المسؤول: NTRK1

  • الاسم الكامل: Neurotrophic Tyrosine Kinase Receptor Type 1

  • الموقع: الكروموسوم رقم 1q23.1

  • وظيفة الجين: ترميز مستقبل خاص بعامل النمو العصبي (NGF – Nerve Growth Factor).

كيف يعمل هذا الجين؟

  • البروتين الناتج عن NTRK1 هو مستقبل لعدد من عوامل النمو، أهمها NGF.

  • NGF ضروري لتطور وبقاء الخلايا العصبية المسؤولة عن:

    • الإحساس بالألم والحرارة.

    • التحكم بوظائف الجهاز العصبي اللاإرادي (مثل التعرق، ضربات القلب، ضغط الدم، إلخ).

  • عند وجود طفرات في NTRK1، تفشل هذه المستقبلات في العمل، مما يؤدي إلى:

    • موت الخلايا العصبية الحسية في المراحل المبكرة من التطور الجنيني.

    • فشل الجهاز العصبي اللاإرادي في أداء وظائفه.

الطفرات المرتبطة بـ CIPA:

  • معظم الحالات تنتج عن طفرات نقطية (Point mutations) أو حذوفات (Deletions) في جين NTRK1.

  • هذه الطفرات تؤدي إلى:

    • تغيير في التركيب البنيوي للمستقبل.

    • إعاقة انتقال الإشارة من NGF.

    • فقدان تام أو شبه تام لوظيفة البروتين.

نمط الوراثة: وراثة جسمية متنحية (Autosomal Recessive)

ماذا يعني ذلك؟

  • يجب أن يرث الطفل نسختين معطوبتين من جين NTRK1 (واحدة من كل من الأب والأم).

  • إذا ورث نسخة واحدة فقط، يكون “حاملًا” للمرض دون ظهور الأعراض.

  • في حال زواج شخصين حاملين، فإن احتمال إصابة كل طفل هو:

    • 25% أن يُصاب بالمرض.

    • 50% أن يكون حاملًا.

    • 25% أن يكون سليمًا بالكامل.

الكشف الجيني (Genetic Testing):

  • يمكن استخدام تقنيات مثل PCR وتسلسل الجينوم لتحديد وجود الطفرة في جين NTRK1.

  • يُوصى بإجراء التحاليل الجينية في حال:

    • وجود تاريخ عائلي للمرض.

    • ظهور أعراض مبكرة لدى الطفل مثل عدم الإحساس بالألم أو التعرق.

ماهي أعراض مرض CIPA؟

تشمل الأعراض الرئيسية لمرض CIPA ما يلي:

1. غياب الإحساس بالألم

  • عدم الشعور بالحروق، الجروح، الكسور، أو أي إصابة جسدية.

  • قد يعضّ الطفل نفسه دون وعي (اللسان، الشفتين، الأصابع).

  • كثرة الإصابات بدون شكوى، ما يؤدي إلى تأخر التشخيص.

2. عدم التعرق (Anhidrosis)

  • بسبب خلل في الجهاز العصبي اللاإرادي.

  • يؤدي إلى ارتفاع حرارة الجسم بشكل خطير، خاصة أثناء الحمى أو في الطقس الحار.

  • نوبات حادة من ارتفاع الحرارة قد تسبب تلفًا دماغيًا أو وفاة إذا لم تُعالج.

3. مشاكل في الجهاز العصبي الذاتي

  • بطء أو عدم انتظام ضربات القلب.

  • اضطرابات في الجهاز الهضمي.

  • تأخر في التبول أو الإخراج.

4. تأخر النمو الحركي والعقلي في بعض الحالات

  • لا يعود السبب مباشرة للمرض، بل لمضاعفاته المتكررة مثل إصابات الدماغ بسبب الحمى.

تشخيض مرض CIPA

أ. الفحص السريري

  • ملاحظة غياب الإحساس بالألم رغم الإصابات.

  • عدم وجود استجابة للمحفزات المؤلمة.

  • تاريخ عائلي للإصابة.

ب. اختبارات مخبرية وجينية

  • اختبار الطفرات في جين NTRK1.

  • خزعة جلدية لقياس كثافة الألياف العصبية.

  • اختبارات للتأكد من غياب التعرّق (اختبار التعرّق الكمي).

التحديات اليومية للمصابين

على الرغم من غياب الألم، إلا أن الحياة اليومية لمرضى CIPA مليئة بالمخاطر:

  • الكسور المتكررة دون معرفة بسبب غياب الألم.

  • التهابات مزمنة بسبب الجروح غير المعالجة.

  • بتر الأعضاء نتيجة التقرحات والعدوى المستمرة.

  • الخطر الشديد من الحمى وضربة الشمس بسبب عدم التعرّق.

  • الحرمان من اللعب الطبيعي في الطفولة خوفًا من الإصابات الخطيرة.

  • عزلة اجتماعية بسبب الحاجة المستمرة للرعاية والمراقبة.

هل يوجد علاج لمرض CIPA؟

هل يوجد علاج؟

حتى الآن، لا يوجد علاج شافٍ للمرض، لكن التعامل مع الحالة يركز على إدارة الأعراض وتقليل المضاعفات، ويشمل:

1. الرعاية الوقائية

  • مراقبة الحرارة والجروح باستمرار، لأن المريض لا يشعر بالألم أو الحروق.

  • ارتداء ملابس وأحذية واقية: تمنع الإصابات أو تقلل شدتها.

  • تجنب البيئات الحارة: بسبب غياب التعرق، مما يعرض المريض لخطر ارتفاع الحرارة (ضربة الشمس).

2. التوعية والتعليم

  • تدريب الأهل ومقدمي الرعاية على كيفية مراقبة الطفل والكشف المبكر عن الإصابات أو الالتهابات.

  • تعليم الطفل تدريجيًا: أهمية الانتباه لجسده، وعدم الاعتماد على الإحساس بالألم كإنذار.

3. الرعاية النفسية والاجتماعية

  • دعم نفسي للطفل وأسرته لمواجهة الضغوط النفسية الناتجة عن طبيعة المرض.

  • تقنيات لتحسين جودة الحياة: مثل التمارين المناسبة، التأهيل، والعلاج الوظيفي.

4. الأبحاث الجينية والعلاج الجيني

  • الأبحاث الجارية حالياً تستهدف:

    • العلاج الجيني لتعويض الطفرة في جين NTRK1.

    • تنشيط الخلايا العصبية بطرق جديدة لنقل الإحساس.

    • استخدام الخلايا الجذعية، لكنها لا تزال في المراحل التجريبية ولم تُستخدم سريريًا بعد.

قصص من الواقع

إحدى أشهر الحالات التي ساهمت في توعية العالم حول CIPA، هي قصة الطفلة الأمريكية “آشلي”، التي كانت تضع ضمادات على أطرافها بشكل دائم لتمنع نفسها من عض أصابعها. والداها، بعد سنوات من المعاناة، أطلقا حملة توعوية حول المرض، ساهمت في تمويل أبحاث علمية مهمة لفهم المرض.

مرض CIPA هو من أكثر الأمراض الوراثية النادرة غرابة وقسوة. أن يولد إنسان بدون القدرة على الشعور بالألم ليس نعمة، بل عبء ثقيل. الألم، رغم قسوته، يحمي الجسد من الهلاك. ومن دونه، يصبح الإنسان مهددًا في كل لحظة.

نحتاج إلى نشر الوعي حول هذا المرض، وتشجيع البحث العلمي، وتوفير الدعم اللازم للعائلات المتأثرة به. كما أن الفحص الجيني للأزواج في المناطق التي ينتشر فيها زواج الأقارب قد يكون خطوة مهمة للحد من انتقال هذا النوع من الأمراض.

اتصل الآن بمنصة ذات لطلب زيارة منزلية

شارك المقال