يُعد العُضال الغُدي الرحمي من الاضطرابات الشائعة لدى النساء، إلا أنه لا يحظى بالقدر الكافي من الوعي، نظرًا لتشابهه في الأعراض مع حالات أخرى مثل الانتباذ البطاني الرحمي أو الأورام الليفية. في هذا المقال، نسلط الضوء على هذه الحالة، مع شرح أسبابها وأعراضها وطرق تشخيصها وعلاجها.
ما هو العُضال الغُدي الرحمي؟
العُضال الغُدي الرحمي (Adenomyosis) هو حالة مرضية تنشأ عندما ينمو النسيج المبطن للرحم (بطانة الرحم) إلى داخل الجدار العضلي للرحم. ويؤدي هذا التغلغل غير الطبيعي إلى استمرار هذا النسيج في أداء وظائفه الطبيعية الشهرية من تضخم وانهيار ونزيف، مما يُحدث تهيجًا في الأنسجة المحيطة، ويؤدي إلى أعراض مزعجة.
كيف يحدث مرض العُضال الغُدي الرحمي؟
🔹 أولًا: الجهاز التناسلي في الوضع الطبيعي
الرحم هو عضو عضلي أجوف، يتكون من ثلاث طبقات رئيسية:
- بطانة الرحم (Endometrium): وهي الطبقة الداخلية الرقيقة التي تتجدد كل شهر استعدادًا للحمل، ثم تنزف على شكل حيض في حال عدم حدوث الإخصاب.
- العضل الرحمي (Myometrium): وهي الطبقة المتوسطة المكونة من عضلات ملساء، مسؤولة عن انقباضات الرحم أثناء الحيض والولادة.
- غشاء مصلي خارجي (Perimetrium): يغلف الرحم من الخارج.
في كل دورة شهرية، تستجيب بطانة الرحم لتأثيرات الهرمونات (خصوصًا الإستروجين والبروجستيرون) فتنمو وتزداد سماكتها استعدادًا لاستقبال بويضة مخصبة. إذا لم يحدث حمل، تنكمش هذه البطانة وتنزف على هيئة دم الحيض.
🔹 ثانيًا: ما الذي يحدث في العُضال الغُدي؟
في حالة العُضال الغُدي الرحمي، يحدث خلل في الحاجز الفاصل بين بطانة الرحم وعضلة الرحم. ونتيجةً لذلك:
- تبدأ خلايا بطانة الرحم بالتغلغل بشكل غير طبيعي إلى داخل عضلة الرحم.
- مع مرور الوقت، تتعمق هذه الخلايا داخل الطبقة العضلية، وقد تنتشر في مواضع متعددة.
- وعلى الرغم من أنها أصبحت في مكان غير طبيعي، فإن هذه الخلايا تستمر في تأدية وظيفتها الهرمونية الشهرية، أي:
- تنمو وتتكاثف استجابة لهرمون الإستروجين.
- تتحلل وتنزف مع نهاية كل دورة شهرية.
لكن المشكلة هنا أن الدم الناتج من هذه البطانة المهاجرة لا يجد طريقًا للخروج من الجسم كما في الحيض الطبيعي، مما يسبب سلسلة من التفاعلات المرضية داخل عضلة الرحم.
🔹 ثالثًا: النتائج المرضية لهذا التغلغل
-
احتباس دموي داخل العضلة:
- يؤدي إلى تهيج مستمر للأنسجة المحيطة.
- يخلق بيئة التهابية مزمنة في العضلة الرحمية.
-
تضخم موضعي أو عام في الرحم:
- بسبب التكرار الشهري لهذا النزيف الداخلي والتورم.
- قد يصبح الرحم أكبر من حجمه الطبيعي، ويشبه في بعض الحالات حجم رحم المرأة الحامل في شهر ثالث أو رابع.
-
تشكل عقيدات أو بؤر غير منتظمة داخل الجدار العضلي:
- تشبه الأورام الليفية من حيث المظهر في التصوير الطبي، لكنها تختلف عنها من حيث التكوين.
-
ألم شديد أثناء الحيض:
- ناتج عن التهيج المزمن في العضلة، وزيادة ضغط الرحم على الأعضاء المجاورة.
- الألم قد يكون موضعيًا أو ينتشر إلى أسفل الظهر والفخذين.
-
اضطراب في انقباضات الرحم:
- نتيجة تشوه النسيج العضلي.
- قد يسبب غزارة في الطمث ونزيفًا غير منتظم.
🔹 الأسباب المحتملة لهذا التغلغل
ما زال السبب الدقيق غير واضح، لكن هناك عدة نظريات تفسر كيف تبدأ خلايا بطانة الرحم في اختراق العضلة:
-
الولادات المتكررة أو الجراحات النسائية (مثل القيصرية):
- قد تؤدي إلى تمزقات صغيرة أو ضعف في الحاجز بين البطانة والعضلة، مما يسمح بتسلل الخلايا.
-
اضطرابات هرمونية:
- مثل فرط الإستروجين، مما يزيد من تكاثر بطانة الرحم ونشاطها داخل العضلة.
-
نشوء النسيج من خلايا جذعية في جدار الرحم نفسه:
- حيث تتحول بعض الخلايا إلى خلايا شبيهة ببطانة الرحم.
-
العوامل الوراثية أو المناعية:
- قد تهيّئ بعض النساء للإصابة بهذه الحالة.
مرض العُضال الغُدي الرحمي ينشأ نتيجة تسلل غير طبيعي لخلايا بطانة الرحم إلى داخل الجدار العضلي للرحم، واستمرارها في النزيف الشهري داخل هذا الموقع الخاطئ، ما يسبب سلسلة من التغيرات المرضية تشمل تضخم الرحم، التهابات موضعية، ألم مزمن، ونزيف حيضي غزير. ورغم أن أسبابه الدقيقة غير مفهومة كليًا، إلا أن التقدم في وسائل التصوير والتشخيص ساعد كثيرًا في التعرف عليه وعلاجه بشكل مبكر.
أعراض العُضال الغُدي الرحمي
تُعد أعراض العُضال الغُدي من الأعراض التي قد تتداخل مع أمراض نسائية أخرى، مثل الأورام الليفية أو الانتباذ البطاني الرحمي، ولهذا فإن الفهم الدقيق لهذه الأعراض يُسهم في سرعة التشخيص والعلاج. تختلف شدّة الأعراض من امرأة لأخرى، وقد تكون بسيطة وغير ملحوظة في البداية، لكنها تتفاقم مع الوقت.
1. ألم شديد أثناء الدورة الشهرية (عُسر الطمث)
- يُعد من أكثر الأعراض شيوعًا.
- تشعر المرأة بتقلصات حادة ومستمرة في أسفل البطن أو الظهر، وقد تبدأ قبل بدء الدورة وتستمر خلالها.
- الألم يكون أعمق وأطول أمدًا من ألم الحيض العادي.
- في بعض الحالات، لا تستجيب التقلصات بسهولة للمسكنات التقليدية.
🔍 السبب: وجود خلايا بطانة الرحم داخل عضلة الرحم يسبب تهيجًا مستمرًا وتقلصات عضلية مؤلمة أثناء الحيض.
2. نزيف حيضي غزير أو طويل المدة (غزارة الطمث)
- تلاحظ المريضة أن كمية الدم خلال الدورة أصبحت أكبر من المعتاد.
- قد يحتاج الأمر إلى تغيير الفوط الصحية بشكل متكرر جدًا خلال اليوم.
- أحيانًا تمتد مدة الدورة لأكثر من 7 أيام.
- قد يؤدي هذا النزيف إلى فقر الدم (الأنيميا)، وما يصاحبه من دوار وتعب وشحوب.
🔍 السبب: زيادة عدد الأوعية الدموية غير الطبيعية داخل عضلة الرحم، واستمرار نزيف البطانة في مواقع متعددة داخليًا.
3. ألم أثناء الجماع (عُسر الجماع)
- تشعر المرأة بألم عميق أثناء العلاقة الحميمة، خاصة في أوضاع معينة أو خلال أوقات محددة من الشهر.
- قد يؤثر ذلك على العلاقة الزوجية ويسبب توترًا نفسيًا بين الشريكين.
🔍 السبب: تضخم الرحم وزيادة حساسية الأنسجة الملتهبة داخله تجعل أي ضغط أو حركة يسبب انزعاجًا أو ألمًا.
4. شعور بالثقل أو الضغط في منطقة الحوض
- تشعر المرأة بوجود كتلة أو وزن منخفض في البطن أو الحوض.
- الإحساس يشبه الشعور بالحمل المبكر أو وجود ورم ضاغط.
- قد يصاحبه رغبة متكررة في التبول أو إمساك، نتيجة ضغط الرحم على المثانة أو الأمعاء.
🔍 السبب: تضخم الرحم الناجم عن تكرار النزيف الداخلي واحتباس الدم يؤدي إلى ضغط ميكانيكي على الأعضاء المجاورة.
5. تضخم الرحم
- يمكن أن يكبر الرحم إلى حد يشبه حجم الرحم في بداية الحمل (3–4 أشهر).
- بعض النساء قد يلاحظن انتفاخ البطن السفلي دون زيادة فعلية في الوزن.
🔍 السبب: التورم المزمن داخل عضلة الرحم، وتراكم الأنسجة غير الطبيعية داخل الجدار الرحمي.
6. تأثير محتمل على الخصوبة
- في بعض الحالات، قد تعاني المرأة من تأخر في الحمل أو تكرار الإجهاض المبكر.
- لا يصيب العُضال الغُدي جميع النساء بالعقم، لكنه قد يؤثر على وظيفة الرحم ويعيق انغراس الجنين أو نموه الطبيعي.
🔍 السبب: تغيّر في طبيعة بطانة الرحم، واختلال في انقباضات الرحم، وبيئة التهابية غير ملائمة للزرع أو الحمل.
تُعد أعراض العُضال الغُدي مزعجة وتتداخل أحيانًا مع أنماط الحياة اليومية والعلاقات الشخصية والصحة العامة. وإذا كانت المرأة تعاني من أكثر من عرض مما ذُكر أعلاه، خصوصًا النزيف الغزير والألم الشديد، فعليها مراجعة الطبيب المختص لإجراء الفحوصات اللازمة والوصول إلى تشخيص دقيق.
الأسباب وعوامل الخطورة في العُضال الغُدي الرحمي
رغم التقدم الطبي، لا يزال السبب الدقيق وراء حدوث العُضال الغُدي غير معروف بشكل قاطع، لكن هناك عدة نظريات طبية وعوامل مساعدة يُعتقد أنها تلعب دورًا مهمًا في تطور هذا الاضطراب. ويمكن تقسيمها إلى أسباب محتملة وعوامل خطر تزيد من احتمال الإصابة.
🔹 أولًا: الأسباب المحتملة (النظريات الطبية)
1. الاختراق المباشر لبطانة الرحم إلى داخل العضلة الرحمية
- يُعتقد أن السبب الأساسي في العُضال الغُدي هو ضعف الحاجز الفاصل بين بطانة الرحم والعضلة الرحمية.
- هذا يسمح لخلايا البطانة بالاختراق والنمو داخل الجدار العضلي، خصوصًا بعد تمزق أو تلف ناتج عن الولادة أو الجراحة.
2. نظرية الخلايا الجذعية
- تقترح أن بعض الخلايا الجذعية الموجودة في عضلة الرحم قد تتحول تلقائيًا إلى خلايا مشابهة لبطانة الرحم، تحت تأثير هرموني أو التهابي.
3. نظرية الانتشار من بطانة الرحم عبر الأوعية الدموية أو اللمفاوية
- تفترض أن خلايا بطانة الرحم قد تنتقل عبر الأوعية إلى داخل عضلة الرحم، خاصة عند وجود اضطرابات هرمونية أو جهاز مناعي غير متوازن.
4. العوامل الهرمونية
- العُضال الغُدي مرض مرتبط بهرمون الإستروجين، حيث يُحفّز الإستروجين نمو بطانة الرحم.
- في بعض الحالات، يكون هناك فرط استجابة للهرمونات الأنثوية يؤدي إلى نمو غير طبيعي داخل عضلة الرحم.
🔹 ثانيًا: عوامل الخطورة
هناك مجموعة من العوامل التي تزيد من احتمال إصابة المرأة بالعُضال الغُدي، نذكر منها:
1. الولادات المتكررة
- مع كل ولادة، خاصة الطبيعية، يحدث تمدد وتمزق في أنسجة الرحم، ما قد يُحدث شقوقًا أو فتحات دقيقة في الحاجز الفاصل بين بطانة الرحم وعضلتها.
- هذه الفتحات تتيح لخلايا البطانة الهجرة إلى داخل العضلة.
2. العمليات الجراحية في الرحم
- مثل:
- الولادة القيصرية
- استئصال الأورام الليفية
- الكحت (التنظيف الرحمي)
- كل هذه الإجراءات قد تُحدث إصابة مباشرة في جدار الرحم، وتزيد من فرص دخول خلايا بطانة الرحم إلى عمق العضلة.
3. العمر
- غالبًا ما يُشخّص العُضال الغُدي بين سن 35 إلى 50 عامًا.
- في هذه المرحلة، تكون المرأة قد مرّت بعدة دورات شهرية، وربما تعرضت للولادة أو عمليات، كما أن مستويات الإستروجين تكون مرتفعة نسبيًا.
4. الاضطرابات الهرمونية
- مثل:
- فرط الإستروجين
- اضطراب في التوازن بين الإستروجين والبروجستيرون
- هذه الاضطرابات تؤدي إلى نمو مفرط وغير منضبط لخلايا بطانة الرحم، حتى في المواقع غير الطبيعية مثل عضلة الرحم.
5. وجود أمراض نسائية أخرى
- مثل الانتباذ البطاني الرحمي أو الأورام الليفية
- هذه الحالات قد تتداخل أو تتزامن مع العُضال الغُدي، وتشير إلى قابلية الأنسجة الرحمية للنمو غير الطبيعي.
6. العوامل الوراثية أو المناعية
- وجود تاريخ عائلي لحالات مشابهة قد يزيد من احتمالية الإصابة.
- كما يُعتقد أن بعض النساء لديهن استجابة مناعية غير طبيعية تؤثر على نسيج الرحم وتجعله أكثر عرضة للتلف والنمو غير المنتظم.
رغم أن السبب الدقيق للعُضال الغُدي لا يزال قيد الدراسة، فإن عدة عوامل تُسهم في ظهوره، من أبرزها: الولادات المتكررة، العمليات الرحمية، والعوامل الهرمونية والعمرية. وفهم هذه العوامل يساعد الأطباء على اتخاذ الإجراءات الوقائية المبكرة، ويوجه النساء إلى مراقبة صحتهن الإنجابية بشكل أفضل.
طرق تشخيص العُضال الغُدي الرحمي
يُعد تشخيص العُضال الغُدي أمرًا معقدًا نسبيًا، نظرًا لتشابه أعراضه مع أمراض نسائية أخرى، مثل الأورام الليفية أو الانتباذ البطاني الرحمي. ولذلك، يعتمد التشخيص على دمج التاريخ المرضي، والفحص السريري، ووسائل التصوير الحديثة. في بعض الحالات، لا يتم التشخيص النهائي إلا بعد استئصال الرحم وفحصه نسيجيًا.
1. الفحص السريري
- يُجري الطبيب المختص فحصًا للحوض من خلال لمس الرحم وتقدير حجمه وشكله.
- في حالة العُضال الغُدي، قد يلاحظ الطبيب:
- تضخم الرحم بشكل موحد أو غير منتظم.
- الرحم يكون طريًا أو حساسًا عند الضغط.
- وجود ألم عند اللمس في منطقة الحوض.
🔍 أهمية الفحص السريري:
رغم أنه لا يعطي تشخيصًا قاطعًا، إلا أنه يوجه الطبيب للاشتباه في وجود مشكلة داخل الرحم ويبرر إجراء فحوصات إضافية.
2. التصوير بالموجات فوق الصوتية (السونار)
- يُعد الخطوة الأولى في التقييم التصويري.
- يمكن إجراؤه عبر:
- السونار البطني (عبر الجلد)
- السونار المهبلي (أكثر دقة في رؤية تفاصيل الرحم الداخلية)
- في حالات العُضال الغُدي، قد تظهر علامات مثل:
- تضخم غير منتظم في جدار الرحم
- وجود بؤر داكنة (hypoechoic areas) داخل العضلة
- عدم تجانس نسيج العضلة الرحمية
🔍 أهمية السونار:
يُستخدم لاستبعاد حالات أخرى مثل الأورام الليفية، وقد يُظهر علامات مشتبهة بالعُضال الغُدي، لكنه لا يكفي وحده للتشخيص النهائي.
3. الرنين المغناطيسي (MRI)
-
يُعتبر الوسيلة الأكثر دقة ووضوحًا لتشخيص العُضال الغُدي.
-
يسمح برؤية طبقات الرحم بتفصيل عالٍ.
-
يساعد في:
- تحديد سمك المنطقة المتأثرة داخل العضلة (المنطقة الانتقالية).
- التمييز بين العُضال الغُدي والأورام الليفية، حيث أن العُضال يظهر بشكل غير محدد الحواف.
-
من أبرز علامات العُضال الغُدي في التصوير:
- سماكة غير طبيعية في المنطقة الانتقالية (أكبر من 12 مم).
- وجود بقع داكنة أو ضبابية داخل العضلة الرحمية.
🔍 أهمية الرنين المغناطيسي:
يُستخدم خاصة في الحالات التي يكون فيها التشخيص غير مؤكد أو عند تحضير خطة علاجية دقيقة، سواء دوائية أو جراحية.
4. الخزعة النسيجية (Histopathology)
- لا تُجرى الخزعة عادة لتشخيص العُضال الغُدي إلا في حالات استئصال الرحم.
- يتم فحص النسيج الرحمي تحت المجهر للتأكد من وجود خلايا بطانة الرحم داخل عضلة الرحم.
- هذا الفحص هو الوحيد الذي يؤكد التشخيص بنسبة 100%.
🔍 أهمية الخزعة:
هي الوسيلة النهائية للتأكيد، لكنها لا تُستخدم غالبًا في التشخيص الأولي، بل تأتي بعد فشل العلاجات الأخرى أو في حالة الحاجة لاستئصال الرحم.
5. الاستبعاد التفريقي (Differential Diagnosis)
نظرًا لتشابه أعراض العُضال الغُدي مع حالات أخرى، يجب على الطبيب استبعاد:
- الأورام الليفية (Fibroids): أورام حميدة في عضلة الرحم
- الانتباذ البطاني الرحمي (Endometriosis): نمو بطانة الرحم خارج الرحم
- اضطرابات هرمونية تسبب نزيفًا غير طبيعي
🔍 أهمية هذه الخطوة:
منع الخطأ في التشخيص يؤدي إلى اختيار العلاج الأنسب للمريضة.
يبدأ تشخيص العُضال الغُدي بجمع التاريخ الطبي والأعراض، ثم الانتقال إلى الفحص السريري، فالسونار، وأخيرًا الرنين المغناطيسي لتأكيد الاشتباه. أما التشخيص النهائي فيعتمد على الفحص النسيجي للرحم. ويُعد التشخيص الدقيق خطوة حاسمة لتحديد نوع العلاج المناسب وتحسين جودة حياة المريضة.
علاج العُضال الغُدي الرحمي
⚖️ مبدأ العلاج
يعتمد اختيار نوع العلاج على عدة عوامل مهمة، منها:
- شدة الأعراض (مثل الألم أو النزيف)
- مدى تأثير المرض على الحياة اليومية
- رغبة المريضة في الحفاظ على الخصوبة
- عمر المريضة
- استجابة المريضة للعلاجات السابقة
ويُقسم العلاج إلى نوعين رئيسيين: علاج تحفظي (دوائي) وعلاج جراحي.
أولًا: العلاج التحفّظي (غير الجراحي)
يُستخدم في الحالات البسيطة إلى المتوسطة، خاصة للنساء الراغبات في الحمل أو اللاتي يفضّلن تجنب الجراحة. الهدف من هذا العلاج هو السيطرة على الأعراض وليس إزالة المرض تمامًا.
1. المسكنات ومضادات الالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs)
- مثل: الإيبوبروفين أو النابروكسين
- تُستخدم لتخفيف:
- ألم الدورة الشهرية
- الالتهابات الموضعية داخل الرحم
✅ الفائدة: تخفيف مؤقت للألم
⚠️ القيود: لا تعالج سبب المرض ولا تؤثر على النزيف أو نمو البطانة
2. العلاج الهرموني
يهدف إلى تقليل تأثير هرمون الإستروجين، الذي يُنشط بطانة الرحم، وبالتالي تقليل النزيف والألم.
أ) حبوب منع الحمل المركبة أو الهرمونية المستمرة
- تعمل على تثبيت الدورة وتقليل سماكة بطانة الرحم.
- تُقلل النزيف وتُحسّن الأعراض خلال أشهر قليلة من الاستخدام.
ب) اللولب الهرموني (Mirena)
- يُفرز هرمون الليفونورجستريل داخل الرحم مباشرة.
- يُقلل من نشاط بطانة الرحم ويحد من النزيف المهبلي.
✅ الفوائد: فعّال، مناسب للنساء الراغبات في الحفاظ على الرحم
⚠️ القيود: لا ينجح دائمًا في السيطرة على الأعراض لدى جميع النساء
3. العلاج الهرموني القامع (GnRH analogs)
- مثل: لوبرولايد (Leuprolide)
- تُثبّط إنتاج الهرمونات الأنثوية بشكل مؤقت (تشبه حالة انقطاع الطمث)
- تُقلل نشاط بطانة الرحم وتُخفف الألم والنزيف بشكل واضح
✅ الفوائد: تخفيف سريع وفعّال للأعراض
⚠️ القيود: لا يُستخدم لفترات طويلة بسبب آثاره الجانبية (مثل هشاشة العظام والهبات الساخنة)، وقد تعود الأعراض بعد التوقف عنه
ثانيًا: العلاج الجراحي
يُستخدم في الحالات الشديدة، أو عندما تفشل العلاجات الدوائية، أو إذا كانت المريضة لا تخطط للحمل مستقبلًا.
1. الاستئصال الموضعي للبؤر المصابة
- يتم إزالة المناطق المصابة فقط من عضلة الرحم
- يُستخدم إذا كانت الإصابة محددة وواضحة ويمكن استئصالها دون الإضرار بوظيفة الرحم
- مناسب أحيانًا للنساء اللاتي يرغبن بالحمل ولكن لم يستجبن للعلاج الدوائي
✅ الفوائد: الحفاظ على الرحم وتحسين الأعراض
⚠️ القيود: إجراء معقد ويتطلب مهارة عالية، وقد لا يكون ممكنًا في الحالات المنتشرة
2. استئصال الرحم الكامل
- يتم فيه إزالة الرحم بأكمله (أحيانًا مع عنق الرحم)
- يُعتبر الخيار النهائي والجذري لعلاج العُضال الغُدي، ويؤدي إلى زوال الأعراض نهائيًا
- يُنصح به في حال:
- وجود نزيف مزمن لا يستجيب للعلاج
- ألم شديد يؤثر على جودة الحياة
- عدم رغبة المريضة في الإنجاب مستقبلًا
✅ الفوائد: إنهاء دائم للأعراض
⚠️ القيود: لا يُناسب النساء اللاتي ما زلن يرغبن في الحمل
علاج العُضال الغُدي يجب أن يكون مخصصًا لكل حالة على حدة، ويعتمد على توازن دقيق بين التخفيف من الأعراض والحفاظ على الخصوبة وجودة الحياة. العلاجات الدوائية قد تكون كافية في كثير من الحالات، بينما يُعد التدخل الجراحي ضروريًا في الحالات الأكثر شدة.
التأثير على الخصوبة في حالات العُضال الغُدي الرحمي
العُضال الغُدي لا يُعد من الأسباب الرئيسية المباشرة للعقم، إلا أنه يمكن أن يُضعف الخصوبة لدى بعض النساء، خصوصًا إذا كانت الحالة متقدمة أو مترافقة مع أمراض نسائية أخرى مثل الانتباذ البطاني الرحمي أو الأورام الليفية. وفيما يلي شرح دقيق للكيفية التي قد يؤثر بها هذا الاضطراب على القدرة على الحمل.
🔹 1. تغيّر بنية جدار الرحم
- وجود خلايا بطانة الرحم داخل الجدار العضلي يؤدي إلى:
- سماكة غير طبيعية في الجدار
- عدم انتظام في انقباضات الرحم
- تليّف أو تصلب في نسيج الرحم
🧬 هذه التغيرات قد تعيق حركة الحيوانات المنوية داخل الرحم أو تؤثر على مرور البويضة المخصبة نحو بطانة الرحم.
🔹 2. بيئة التهابية داخل الرحم
- العُضال الغُدي يسبب التهابًا مزمنًا في عضلة الرحم.
- يؤدي ذلك إلى إفراز مواد التهابية (مثل البروستاغلاندينات والسيتوكينات) قد تُضعف:
- انغراس البويضة المخصبة
- ثبات الحمل المبكر
⚠️ وجود بيئة التهابية غير متوازنة يُعد من أكبر معوّقات الحمل في هذه الحالات.
🔹 3. اضطرابات في بطانة الرحم
- رغم أن بطانة الرحم تبقى في موقعها الطبيعي، إلا أنها:
- تتأثر بالتغيرات الموجودة في عضلة الرحم
- قد تفقد الاستعداد الطبيعي لاستقبال الجنين
- تُظهر اضطرابًا في التعبير الجيني الخاص بالزرع والانغراس
🧪 أظهرت دراسات أن بطانة الرحم في حالات العُضال الغُدي قد تُعبّر عن مستويات غير طبيعية من الجزيئات المسؤولة عن التثبيت الجنيني، مثل integrins وLIF.
🔹 4. اضطراب الانقباضات الرحمية
-
الانقباضات الرحمية الطبيعية تُسهم في:
- توجيه الحيوانات المنوية نحو البويضة
- تثبيت الجنين في المكان المناسب داخل الرحم
-
في العُضال الغُدي، تصبح الانقباضات:
- عشوائية أو زائدة
- تُحدث اضطرابًا في حركة البويضة أو الجنين داخل الرحم
🌀 هذا يمكن أن يؤدي إلى فشل التخصيب أو تأخر الانغراس أو حتى الإجهاض المبكر.
🔹 5. التأثير غير المباشر: تكرار الإجهاض أو فشل الزرع
- بعض النساء المصابات بالعُضال الغُدي يعانين من:
- إجهاضات متكررة في مراحل الحمل المبكرة
- فشل متكرر في عمليات التلقيح الصناعي (IVF)
📊 أظهرت دراسات أن نسبة النجاح في عمليات أطفال الأنابيب قد تكون أقل لدى النساء المصابات بالعُضال الغُدي، خاصة في الحالات المتقدمة.
✅ هل يمكن الحمل مع وجود العُضال الغُدي؟
نعم، يمكن للعديد من النساء المصابات بالعُضال الغُدي أن يحملن بشكل طبيعي، خاصة إذا كانت الحالة بسيطة أو متوسطة. ومع ذلك، يُنصح بما يلي:
- تقييم شامل للرحم قبل التخطيط للحمل
- استشارة طبيب مختص في الخصوبة أو أمراض الرحم
- استخدام علاجات هرمونية مؤقتة لتحسين بيئة الرحم قبل الحمل
- التفكير في الجراحة المحافظة في الحالات الشديدة (إذا كانت البؤر محددة)
💡 ملاحظات مهمة:
- ليس كل من تُشخّص بالعُضال الغُدي تُعاني من مشاكل في الإنجاب.
- التشخيص المبكر والتخطيط الجيد يمكن أن يحسن فرص الحمل بنسبة كبيرة.
- الرعاية المستمرة والدقيقة قبل وأثناء الحمل تساعد على تقليل المضاعفات.
التعايش مع العُضال الغُدي
بفضل تقدم الطب، يمكن لمعظم النساء التعايش مع هذا الاضطراب عبر العلاج المناسب والمتابعة الدورية. من المهم الاهتمام بالأعراض وعدم إهمالها، ومراجعة الطبيب فورًا عند الشعور بأي تغيرات غير طبيعية.
العُضال الغُدي الرحمي حالة شائعة لكنها قابلة للتشخيص والعلاج إذا تم الانتباه لها مبكرًا. التوعية بهذه الحالة أمر بالغ الأهمية، خاصة في ظل تأثيرها الكبير على جودة حياة المرأة وصحتها الإنجابية. لذلك، يُنصح كل امرأة تعاني من آلام شديدة أو نزيف غير طبيعي خلال الدورة الشهرية بأن تستشير طبيبها المختص لتقييم الحالة بدقة.